وأما نجد: فقد قيل إن المدينة المنورة منها، والراجح أنها من الحجاز على ما تقدم.
واما العروض: فيشتمل على ناحيتين. الناحية الأولى: اليمامة، وقيل: هي من الحجاز وهي مدينة دون مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في المقدار، بينها وبين البصرة ست عشرة مرحلة، وبينها وبين الكوفة أيضا مثل ذلك، وهي أكثر نخلا من سائر بلاد الحجاز، وبها مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل في زمن أبي بكر (رضي الله عنه).
الناحية الثانية: بلاد البحرين وهي قطر متسع مجاور لبحر فارس كثير النخل والثمار، والمشهور به من البلاد هجر بفتح الهاء والجيم وهي التي كانت قاعدة البحرين في الزمن المتقدم فخربها القرامطة عند استيلائهم على البحرين،وبنوا مدينة الإحساء ونزلوها وصارت هي قاعدة البحرين، وهي مدينة كثيرة المياه والنخل والفواكه، وبينها وبين اليمامة نحو أربعة ايام، إلى غير ذلك من البلاد المتسعة.
وأما اليمن: فهو إقليم متسع الأرجاء، متباعد الأطراف، وكانت قاعدته القديمة مدينة صنعاء، وهي مدينة عظيمة تشبه مدينة دمشق في كثرة مياهها وأشجارها وهي في شرقي عدن في الجبال، وهواؤها معتدل وكانت في الزمن المتقدم تسمى (أزال) وهي الآن بيد إمام الزيدية باليمن داخلة تحت طاعته هي وما حولها، وقد استحدث عليها حصن (تعز) فصار منزلا لبني رسول ملوك اليمن الآن، وهو حصن في الجبل مطل على التهائم وأراضي زبيد، وفوقه منتزه يقال له: صعدة قد ساق إليها صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها وبنى فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك، وفرضة اليمن المشهورة في القديم والحديث عدن، ويقال: عدن أبين سميت بذلك باسم بانيها، وهي مدينة على ساحل بحر الهند جنوبي باب المندب يميل إلى المشرق مورد وحط وإقلاع لمراكب الهند ومصر وغيرهما، وبينها وبين صنعاء ثلاث مراحل, وهي في ذيل جبل كالسور وتمامه سور إلى البحر، ولها باب إلى البر وباب إلى البحر إلا أنها قشفة يابسة ينقل إليها الماء على ظهور الدواب.
واليمن مدن كثيرة من مشاهيرها زبيد بفتح الزاي المعجمة وهي قصبة التهايم وموضعها في مستوى من الأرض والبحر، منها على أقل من يوم، وبها مياه ونخل كثير وعليها سور دائر وفيها ثمانية أبواب وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلاً.
ومن مشاهير بلادها نجران بفتح النون وسكون الجيم، وهي بلدة ذات نخيل وأشجار على القرب من صنعاء وهي بين عدن وحضرموت في جبال وهي من بلاد همدان بين قرى ومدائن وعمائر ومياه، وبها كان أفعى بن الأفعى الجرهمي المعروف بأفعى نجران الذي تحاكم إليه مضر وربيعة وأياد وأنمار أولاد نزار بوصية من أبيهم.
ومن مشاهير بلاده ظفار بالظاء المعجمة المشالة والفاء, وهي مدينة على ساحل خور يخرج من بحر الهند ويطعن في الشمال نحو مائة ميل وهي على طرفه، وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخا وعلى شمالها رمال الأحقاف التي بها كانت عاد، وهي قاعدة بلاد الشجر، ويوجد في أرضها كثير من النبات الهندي مثل الرايخ والتنبل، ولها بساتين وأسواق، وفي سواحلها يوجد العنبر, إلى غير ذلك من البلاد المتعددة.
وأما بادية الشام ففي جزيرة العرب منها مدينة تدمر بفتح التاء وضم الميم، وهي بلدة قديمة ببادية الشام من أعمال حمص وهي على شرقيها, وأرضها سباخ وبها شجر ونخيل وزيتون, وبها ءاثار قلعة عظيمة من الأعمدة والصخور ولها سور وقلعة، وبينها وبين حمص نحو ثلاث مراحل وكذلك عن سلمية، وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلا، وبينها وبين الزحمة مائة ميل وميلان، وهي منزل عرب ءال ربيعة ملوك العرب بالشام إلى الآن.
وكذلك من بادية الشام تيماء وهي حاضرة طي، وبها الحصن المعروف بالأبلق الفرد المنسوب إلى السموؤل بن عاديا.
وتبوك وهي بلدة عظيمة بين الحجر أرض ثمود وبين الشام، وبها عين ماء ونخيل ويقال: إن بها كان أصحاب الأيكة الذين بعث الله إليهم شعيبا عليه السلام.
قلت: ومنها مدين وكانت بها منازل العرب العاربة من عاد وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن هم في معناهم، ثم انتقلت ثمود منها إلى الحجر بكسر الحاء المهملة وهي إلى الجنوب من دومة الجندل وهي من أرض الشام فكانوا بها حتى هلكوا كما ورد به القرءان الكريم.
وهلك من هلك من بقايا العرب العاربة باليمن بمدين من عاد وغيرهم، وخلفهم فيه بنو قحطان بن عابر فعرفوا بعرب مدين إلى الآن وبقوا فيه إلى أن خرج منه عمرو بن مزيقياء عند توقع سيل العرم ثم خرج منه بقاياهم وتفرقوا في الحجاز والعراق والشام وغيرها عند حدوث سيل العرم.
وكانت أرض الحجاز منازل بني عدنان إلى أن غزاهم بخت نصر ونقل من نقل منهم إلى الأنبار من بلاد العراق، ولم يزل العرب بعد ذلك كلهم في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الإسلامي فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وبلاد السودان وملأوا الآفاق، وعمروا الأقطار، وصار بعض عرب اليمن إلى الحجاز فأقاموا به وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به, وبقي من بقي منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن، ومن تفرق منهم في الأقطار منتشرون في الآفاق قد ملأوا ما بين الخافقين"